نص الاستماع
بين الشجرة ودير ياسين
في دجى الليل الحالكِ يعتصرُ الحزنُ والأسى قلبها، تلتفتُ يمنةً ويسرَةً منتظرةً عودةَ الغياب، تُحدّثُ نفسها، وتصرخ: أين أنتم أهلي وأحبابي؟ اشتقتُ لكم يا رَبعي!! آهٍ لتلكَ الأيام التي امتزجت فيها بصماتكم بذرّاتِ ترابي!! فإذا بصوتٍ يُخالِطه الأنين الدامي يُخاطبها: أنا قرية دير ياسين، فمن أنتِ يا أختاهُ؟ وما حكايتك؟
تجيبُ بحسرةٍ وألمٍ: أنا أختك قرية الشجرة الفلسطينية العربية، أبعد حوالي عشر كيلومترٍ إلى الغرب من طبريا، تحيط بي أخواتي: لوبيا، وطرعان، وكفر سبت، وحطين، وعين ماهل، وعرب الصبيح. بلغ عدد سكاني عام ثمانية وأربعين وتسعمئة وألف للميلاد حوالي سبعمئة وسبعين نسمة، كانوا يعتمدون في معيشتهم على زراعة الحبوب، والزيتون، والفاكهة ..، وقد أقيمت أول مدرسةٍ على ترابي في عهد الانتداب البريطاني.
أما عن حكايتي، فهي لا تختلف كثيراً عن حكاية أخواتي من القرى والمدن الفلسطينية الأخرى إبّان النكبة، فقد تعرّضت لاعتداءاتِ العصاباتِ الصهيونية، ونلت شرف مقاومة العدوان؛ فعلى أرضي دارت المعارك، وشهدت كثيراً من الصولات والجولات بين أبنائي المجاهدين والقوات الصهيونية.
تتابع قرية الشجرة حديثها والدموع تسيل من مقلتيها: في الخامس عشر من تموز عام النكبة وقعتُ في قبضة الاحتلال؛ فحلَّ الدمارُ والخرابُ بي، وتشتت من نجا من أهلي بعد معركة سميت باسمي (معركة الشجرة)، التي استشهدَ فيها عددٌ من أبنائي، وفي مقدمتهم الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود.
عندئذ أخذت دير ياسين تهديء من روعها قائلة: هوّني عليكِ يا أختاه، فحالي ليس ببعيدٍ عمّا أصابكِ؛ فأنا أقع إلى الغربِ من مدينة القدس وأبعد عنها أربعة كيلومترات. في التاسع من نيسان عام ألفٍ وتسعمئة وثمانية وأربعين للميلاد تعرضت لمجزرةٍ دامية؛ أسفرت عن استشهاد مئتين وخمسين شهيداً من أبنائي، بينهم أطفال، ونساء، وشيوخ.
هنا تعانقت الشقيقتان ألماً لما حلّ بهما، وأملاً في سطوع شمس الحرية عليهما.