نص الاستماع
عمر بن عبد العزيز وامرأه من العراق
قدمت امرأه من العراق على عمر بن عبد العزيز، فلما صارت إلى بابه قالت: هل على أمير المؤمنين حاجب؟ فقالوا: لا. ادخلي إن أحببتِ. فدخلت المرأة على فاطمة زوجته، وهي في بيتها، وفي يدها رداء تعالجه، فسلمت، فردّت عليها السلام، وقالت لها: ادخلي، فلما جلست رفعت بصرها، ولم ترَ شيئاً له بال، فقالت: جئت لأعمر بيتي من هذا البيت الخرب، فقالت لها فاطمة: إنما خرّب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك. قالت: فأقبل عمر حتى دخل البيت. فمال إلى بئرٍ في ناحية الدار، فانتزع منها دلاء، وصبها على طين كان في حضرة البيت، وهو يكثر النظر إلى فاطمة، فقالت لها المرأة: استتري من هذا الطيان، فإني أراه يديم النظر إليك، فقالت لها: ليس هو بطيان هو أمير المؤمنين. ثم أقبل عمر فسلم. ودخل إلى مصلى له في البيت يصلى فيه. فسأل فاطمة عن المرأة. فقالت هي هذه. فأخذ وعاءً فيه شيء من عنب. فجعل يتخيّر لها خيره يناولها إياه. ثم سألها: ما حاجتك؟ قالت: امرأة من العراق لي خمس بنات كسر كسد. فجئت، ابتغي حسن نظرك لهنّ. فجعل يقول: كسل كسد. وَيلي، وأخذَ الدواة والقرطاس، وكتبَ إلى والي العراق. فقال: سمّي لي كبراهنّ، فسمّتها، ففرض لها.
قالت: الحمدُ لله، ثم سألَ عن الثانية والثالثة والرابعة، والمرأة تحمد الله، ففرضَ لها. فاستفزّها الفرح، فدعت له، فجزته خيراً، فرفع يده. وقال: إنما فرضنا لهنّ حيث كنت تولين الحمد، فمري هؤلاء الأربع يفضن على الخامسة. فخرجت بالكتاب حتى أتت والي العراق. فدفعت به إليه. فلما قرأ بكى، واشتدَّ بكاؤه. وقال: رحمَ اللهُ صاحب الكتاب. قالت المرأة: أمات؟ قال: نعم. فصاحت، وولولت. فقال الوالي: لا بأسَ عليكِ، ما كنتُ لأردّ كتابهُ في شيء فقضى حاجتها عملاً بما جاءَ في الكتاب.