القراءة
الحمامة والثّعلب ومالك الحزين
قَالَ الفيلسوفُ: زعموا أنَّ حمامةً كانت تفرخُ في رأسِ نخلةٍ طويلةٍ ذاهبةٍ في السماءِ، فكانتِ الحمامةُ تشرعُ في نقلِ العشِّ إلى رأسِ تلكَ النَّخلةِ؛ فلا يمكنُها ذلك إِلّا بعدَ شدَّة وتعبٍ ومشقَّةٍ لِطولِ النَّخلةِ وسُحقِها، فإذا فرغَت مِنَ النَّقل باضَت ثُمَّ حَضَنَت بيضَها، فإذا فقَّست وأدركَ فِراخُها، جاءَها ثعلبٌ قد تعهّدَ ذلك منها لِوقتٍ قد عَلِمَهُ بقدْرِ ما ينهضُ فِراخُها، فيَقِفُ بأَصلِ النَّخلةِ فيصيحُ بها ويتوعَّدُها أن يرقى إليها، أو تُلقيَ إليهِ فِراخَها فتلقيها إليه، فبينما هو ذاتَ يومٍ قد أدركَ لها فَرخانِ، إذ أقبلَ مالكٌ الحزينُ فوقعَ على النَّخلةِ، فلمّا رأى الحمامةَ كئيبةً حزينةً شديدةَ الهمَّ قال لها: يا حمامةُ، ما لي أراكِ كاسفةَ البالِ، سيِّئة الحالِ؟
معاني الكلمات:
الإعراب:
فقالت لهُ: يا مالكُ الحزينُ، إنَّ ثعلبًا دُهيتُ بهِ، كلَّما كانَ لي فرخانِ جاءَني يتهدَّدُني، ويصيحُ في أصلِ النَّخلةِ، فأفرقُ منه، فأطرحُ إليه فرخيَّ.
قَالَ لها مالكٌ الحزينُ: إذا أتاكِ ليفعلَ ما تقولين، فقولي لهُ: لا أُلقي إليكَ فرخيَّ، فارقَ إليَّ، وغرِّر بنفسِكَ. فإذا فعلتَ ذلك وأكلتَ فرخيَّ؛ طِرتُ عنكَ ونجوتُ بنفسي.
معاني الكلمات:
الإعراب:
فلمَّا علَّمها مالكٌ الحزينٌ هذهِ الحيلةَ، طارَ فوقع على شاطِئِ نهرٍ، فأقبلَ الثَّعلبُ في الوقتِ الّذي عرفَ، فوقفَ تحتَ النَّخلةِ، ثمَّ صاحَ كما كانَ يفعلُ، فأجابتهُ الحمامةُ بما علَّمها مالكٌ الحزينُ، فقالَ لها: أخبريني من علَّمكِ هذا؟ قالت: علَّمني مالكٌ الحزينُ، فتوجَّهَ الثَّعلبُ حتّى أتى مالكًا الحزينَ على شاطئِ النَّهرِ، فوجدَهُ واقفًا.
الإعراب:
قال له الثَّعلب: يا مالكُ الحزينُ، إذا أتتكَ الرّيحُ عن يمينِكَ، فأينَ تجعلُ رأسَكَ؟ قالَ: عن شمالي. قالَ: فإذا أتتكَ عن شمالِكَ، أينَ تجعلُ رأسَكَ؟ قالَ: أجعلُهُ عن يميني أو خلفي.
قالَ: فإذا أتتكَ الرّيحُ من كلِّ مكانٍ وكلِّ ناحيةٍ أينَ تجعلُهُ؟ قالَ أجعلُهُ تحتَ جناحيَّ. قال: وكيفَ تستطيعُ أن تجعلَهُ تحتَ جناحَيكَ، ما أراهُ يتهيَّأُ لكَ. قالَ: بلى. قالَ: فأرني كيفَ تصنعُ، لعمري يا معشرَ الطَّيرِ، لقد فضَّلَكنَّ اللهُ علينا؛ إنِّكنَّ تدرينَ في ساعةٍ واحدةٍ مثلَ ما ندري في سنةٍ، وتبلُغْنَ ما لا نبلغُ، وتدخلنَ رؤوسكنَّ تحتَ أجنحتكنَّ منَ البردِ والرّيحِ، فهنيئًا لكنَّ. فأرني كيفَ تصنعُ؟
الإعراب:
فأدخلَ الطّائرُ رأسَهُ تحتَ جناحيهِ، فوثبَ عليهِ الثَّعلبُ، فأخذَهُ، فهمزَهُ همزةً دقَّت عُنُقَهُ، ثمَّ قالَ: يا عدوَّ نفسِهِ، ترى الرَّأيَ للحمامةِ، تُعَلِّمُها الحيلةَ لنفسِها، وتعجزُ عن ذلك لنفسِكَ حتّى يتمكَّنَ منكَ عدوُّكَ، ثمَّ أجهزَ عليهِ وأكلَهُ.
معاني الكلمات:
الإعراب: