معلقة لبيد بن أبي ربيعة
عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا |
بمنًى تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا |
فمدافعُ الرَّيَّانِ عرِّيَ رسْمُها |
خلقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها |
دمِنٌ تَجَرَّمَ بعدَ عَهْدِ أنِيسِهَا |
حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وحَرَامُهَا |
رزقَتْ مرابيعَ النُّجومِ وصابَهَا |
ودقُ الرواعدِ جوْدُهَا فرهامُها |
منْ كلِّ سَارِيَة ٍ وغادٍ مُدْجِنٍ |
وعشيَّة ٍ متجاوبٍ إرْزامُهَا |
فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ |
بالجلهتين ظباؤهَا ونعامُها |
والعينُ ساكِنة ٌ على أطْلائِها |
عُوذاً تَأجَّلُ بالفضَاءِ بِهَامُها |
وجَلا السُّيولُ عن الطّلُولِ كأنّها |
زبرٌ تجِدُّ متونَها أقْلامُها |
أوْ رَجْعُ واشِمة ٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا |
كففاً تعرَّضَ فوقَهنَّ وشامُها |
فوقفتُ أسْألُهَا ، وكيفَ سُؤالُنَا |
صُمّاً خوالدَ ما يُبينُ كلامُها |
عرِيتْ وكان بها الجميعُ فأبكرُوا |
منها وَغُودرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُها |
شاقتكَ ظُعْنُ الحيِّ حينَ تحمّلُوا |
فتكنَّسُوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها |
من كلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ |
زوْجٌ عليه كلَّة ٌ وفرامُهَا |
زُجَلاً كأنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا |
وظِباءَ وجرَة َ عُطَّفاً آرَامُهَا |
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كأنها |
أجْزَاعُ بِيشة َ أثْلُهَا وَرُضَامُهَا |
بلْ ما تذكرُ منْ نوارَ وقد نأتْ |
وَتَقَطَّعَتْ أسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا |
مُرِّيَّة ٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ |
أهْلَ الحِجَازِ فأيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا |
بمشارقِ الجبلين أو بِمُحَجَّرٍ |
فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَة ٌ فَرُخَامُهَا |
فَصُوَائقٌ إنْ أيْمَنَتْ فَمَظِنَّة ٌ |
فيها وحافُ القَهْرِ أوْ طِلْخامُهَا |
فاقطعْ لُبانَة َ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ |
ولَشرُّ واصلِ خُلَّة ٍ صَرَّامُها |
واحبُ المُجَامِلَ بالجزيلِ وصرمُهُ |
باقٍ إذا ضلعَتْ وزاغَ قوامُهَا |
بِطَليحِ أسْفَارٍ تَرَكْنَ بقيَّة ً |
منها فأحنقَ صُلْبُها وسنامُها |
وإذا تغالى لحمُها وتحسَّرتْ |
وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلالِ خِدَامُهَا |
فلها هبابٌ في الزِّمامِ كأنَّها |
صهباءُ خَفَّ مع الجنوبِ جَهَامُها |
أو ملمِعٌ وسقَتْ لأحقبَ لاحَهُ |
طَرْدُ الفُحول وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا |
يعلوُ بها حدبُ الإكامِ مسحَّجٌ |
قَد رابَهُ عصيانُهَا ووحَامُها |
بأحِزَّة ِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَا |
قَفْر المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرامُهَا |
حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى ستَّة ً |
جَزءاً فطالَ صِيامُهُ وَصِيَامُها |
رَجَعَا بأمرهما إلى ذي مِرَّة ٍ |
حصدٍ، ونجحُ صريمة ٍ إبرامُهَا |
ورمى دوابرَهَا السَّفَا وتهيَّجَتْ |
ريحُ المصايِفِ سَوْمُهَا وسِهامُهَا |
فتنازعا سَبِطاً يطيرُ ظلالُهُ |
كدخانِ مُشْعَلة ٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا |
مشمُولة ٍ غلِثَتْ بنابتِ عرْفَجٍ |
كَدُخَانِ نارٍ سَاطِعٍ أسْنَامُها |
فمضى وَقَدَّمَهَا وكانتْ عادة ً |
منه إذا هِيَ عَرَّدَتْ إقدامُها |
فتوسَّطا عرضَ السَّريَّ وصدَّعا |
مسجورة ً متجاوراً قُلاَّمُهَا |
محفوفة ً وسطَ اليراعِ يُظِلُّها |
مِنه مُصَرَّعُ غَابة ٍ وقِيامُها |
أفَتِلْكَ أم وحْشِيَّة ٌ مسبوعَة ٌ |
خذلتْ وهادية ُ الصِّوارِ قِوَامُها |
خَنْساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فلمْ يَرِمْ |
عرضَ الشَّقائِقِ طوفُها وبغامُها |
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ |
غُبْسٌ كواسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُها |
صَادَفْنَ منها غِرَّة ً فَأصَبْنَهَا |
إنَّ المنايا لا تطيشُ سهامُهَا |
باتَتْ وَأسْبَلَ واكفٌ من ديمة ٍ |
يروِي الخمائلَ دائماً تسجامُها |
يعدُو طريقة َ متنِهَا متواتِرٌ |
في ليلة ٍ كَفَرَ النُّجومَ غَمَامُهَا |
تجتافُ أصْلاً قالِصاً متنبّذاً |
بعجوبِ أنْقاءٍ يميلُ هُيَامُها |
وتُضيءُ في وَجْهِ الظلام مُنِيرة ً |
كجمانَة ِ البحريِّ سُلَّ نظامُها |
حتى إذا انحسَرَ الظلامُ وَأسْفَرَتْ |
بكرتْ تزلُّ عن الثَّرَى أزْلامُها |
عَلِهَتْ تَرّدَّدُ في نِهاءِ صَعَائِدٍ |
سَبْعاً تُؤاماً كاملاً أيَّامُها |
حتى إذا يَئسَتْ وأسْحَقَ حَالِقٌ |
لم يُبلهِ إرْضاعُها وفِطَامُها |
وتوجسَّتْ رزَّ الأنيسِ فَرَاعَها |
عن ظهرِ غَيْبٍ، والأنيسُ سَقَامُها |
فَغَدَتْ كلا الفَرجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ |
مَولى المخافة خلفُها وأمامُها |
حتى إذا يئسَ الرُّماة ُ وأرْسَلُوا |
غضفاً دواجنَ قافلاً أعْصامُها |
فَلَحِقْنَ واعتكرتْ لها مَدْرِيَّة ٌ |
كالسَّمهريَّة ِ حَدَّهَا وتَمَامُهَا |
لِتذَودَهُنَّ وَأيقنتْ إن لم تَذُدْ |
أن قد أحمَّ مع الحتوفِ حمامُها |
فتقصدَتْ منها كَسابِ فضُرِّجتْ |
بدمٍ وغودرَ في المَكَرِّ سُخَامُها |
فبتلْكَ إذْ رقَصَ اللوامعُ بالضُّحى |
واجتابَ أردية َ السَّرَابِ إكامُها |
أقضي اللُّبانة َ لا أفرِّطُ ريبة ً |
أو أن يلومَ بحاجة ٍ لُوَّامُهَا |
أوَلم تكنْ تدري نَوَارُ بأنَّني |
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُها |
تَرَّاكُ أمكنة ٍ إذا لم أرْضَهَا |
أوْ يعتلقْ بعضَ النفوسِ حِمامُها |
بل أنتِ لا تدرين كم مِنْ ليلة ٍ |
طَلْقٍ لذيذٍ لَهْوُها ونِدَامُها |
قَد بِتُّ سامِرَها، وغَاية تاجرٍ |
وافيتُ إذ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُها |
أُغْلي السِّباءَ بكلِّ أدْكَنَ عاتقٍ |
أو جَوْنَة ٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها |
بصَبوحِ صافية ٍ وجذبِ كرينة ٍ |
بموَتَّرٍ تأتالُهُ إبهامُهَا |
بادرتُ حاجتَها الدّجاجَ بسحرَة ٍ |
لأعَلَّ منها حينَ هبّ نيامُها |
وغداة ِ ريحٍ قَدْ وزعتُ وَقَرَّة ٍ |
إذ أصْبَحَتْ بيدِ الشَّمالِ زمامُها |
ولقَد حميْتُ الحيَّ تحملُ شِكَّتي |
فرطٌ، وشاحي إذْ غدوتُ لجامُها |
فعَلوتُ مرتقباً عَلى ذي هَبْوَة ٍ |
حَرِجٍ إلى أعلامِهِنَّ قَتَامُها |
حتى إذا ألْقَتْ يداً في كافرٍ |
وَأجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُها |
أسْهلْتُ وانتصَبتْ كجذع منيفَة ٍ |
جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دونها جُرَّامُها |
رَفَّعْتُهَا طَرَدَ النَّعامِ وَشَلَّهُ |
حتى إذا سَخِنَتْ وَخَفَّ عظامُها |
قَلِقَتْ رِحَالَتُهَا وَأسْبَلَ نَحْرُهَا |
وابتلَّ من زَبَدِ الحمِيمِ حِزَامُهَا |
تَرْقَى وَتَطَعْنُ في العِنَانِ وتَنْتَحي |
وِرْدَ الحمَامة إذ أجَدَّ حَمَامُها |
وكثيرة ٍ غُرَباؤهَا مَجْهُولَة ٍ |
ترجَى نوافِلُها ويخْشَى ذامُها |
غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُّحُولِ كأنَّهَا |
جنُّ البديِّ رواسياً أقدامُها |
أنكرتُ باطلَها وَبُؤْتُ بحقِّها |
عندي، ولم يَفْخَرْ عليَّ كرامُها |
وَجزَورِ أيْسَارٍ دَعَوْتُ لحتفِها |
بِمَغَالِقٍ مُتَشَابهٍ أجسامُها |
أدعُو بهنَّ لعاقِرِ أوْ مطفِلٍ |
بذلَتْ لجيرانِ الجميعِ لحامُها |
فالضيفُ والجارُ الجنيبُ كأنّما |
هبَطَا تبالَة َ مخصِباً أهْضَامُها |
تأوِي إلى الأطْنابِ كلُّ رذيَّة ٍ |
مِثْلُ البَلِيّة ِ قَالصٌ أهدَامُها |
ويكلّلُونَ إذا الرياحُ تناوحَتْ |
خُلُجاً تمدُّ شوارعاً أيْتَامُها |
إنّا إذا التقتِ المجَامِعُ لم يَزَلْ |
منّا لِزَازُ عظيمة ٍ جَشّامُها |
وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي العشيرة َ حَقَّهَا |
وَمُغَذْمِرٌ لحقوقِها هَضَّامُها |
فضلاً، وذو كرمٍ يعينُ على النَّدى |
سمحٌ كسُوبُ رغائبٍ غنّامُها |
مِنْ معشرٍ سنَّتْ لهمْ آباؤهُمْ |
ولكلِّ قومٍ سُنَّة ٌ وإمامُهَا |
لا يَطبَعونَ وَلا يَبورُ فَعالُهُم |
إِذ لا يَميلُ مَعَ الهَوى أَحلامُها |
فاقْنَعْ بما قَسَمَ المليكُ فإنّمَا |
قسمَ الخلائقَ بينَنا علاَّمُها |
وإذا الأمانة ُ قُسِّمَتْ في مَعْشَرٍ |
أوْفَى بأوْفَرِ حَظِّنَا قَسّامُهَا |
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكُهُ |
فَسَما إليه كَهْلُهَا وَغُلامُها |
وَهُمُ السُّعَاة ُ إذا العشيرة ُ أُفْظِعَتْ |
وهمُ فوارِسُهَا وَهمْ حُكّامُها |
وهمُ رَبيعٌ للمُجَاورِ فيهمُ |
والمرملاتِ إذا تطاولَ عَامُها |
وَهُمُ العَشيرة ُ أنْ يُبَطِّىء َ حاسدٌ |
أو أن يميلَ معَ العدوِّ لئامُها |