يقال إن أول تجربة لغواصة بدون محرك قد تمت في مطلع القرن 18 بإسطنبول، كان ذلك في عهد السلطان أحمد الثالث الملقب بـ"ملك عصر التوليب" - أطلق عليه هذا اللقب بسبب انتشار أزهار التوليب بشكل كبير في عهده في الحدائق وعلى شرفات المنازل - حدث ذلك أثناء الاحتفال المقام بمناسبة ختان أبناء السلطان، حيث جرت العادة أيام الدولة العثمانية أن يقوم احتفال كبير عند ختان أبناء السلاطين، ويستمر لعدة أيام تقام فيها ولائم مجانية، وتقدم المساعدات للمحتاجين، وتوزع الهدايا على الأطفال، إضافة لنشاطات ترفيهية أخرى.
أقيم الحفل في منطقة توب كابي واستمر 23 يوماً، في اليوم 13 من الحفل وأثناء عرض كانت تقوم به سفن سلطانية مزينة في البحر، حدث شيء غير مألوف تمثل في فوران لمياه البحر، تبعه خروج جسم غريب يشبه تمساحاً ضخماً من تحت الماء، ما أثار دهشة ممزوجة بالحيرة والخوف عند الناس المحتشدين حول ماهية هذا الجسم الذي تابع طريقه مخترقاً المياه باتجاه السلطان الجالس على منصة قرب الشاطئ، والذي بدوره كان يشاهد الحدث وتملؤه الحماسة.
وسط كل هذا، توقف الوحش المفترض قبالة السلطان فاتحاً فمه ليخرج منه بضعة رجال ويحيوا سلطانهم، حدث ذلك في ديسمبر/ كانون أول 1719م، كان هذا الجسم الخشبي من تصميم المهندس إبراهيم أفندي، وأطلق عليه اسم "تحت البحر" (دنيزالتي)، بلغ طول الغواصة التمساح قرابة 15م، وهي عبارة عن زورقين متداخلين مع بعضهما من طرفيهما ومثبت فوقهما لوحٌ خشبيٌ كانت مقدمته قابلة للفتح، أطلق على هذا الجسم اسم "تحت البحر"، طليت "تحت البحر" من الخارج بالقطران لمنع إختراق الماء لبدنها، والقطران هو مادة لزجة كانت تستخرج من الفحم الحجري وحالياً تنتج عن تكرير النفط الخام وتستخدم في العزل، زودت الغواصة الخشبية بحبال وأثقال تجعلها تغوص تحت الماء، وعندما تترك الغواصة هذه الأثقال ترتفع نحو سطح الماء، وكان لها أيضاً ما يشبه الزعنفتين على جانبيها.
في الحقيقة لم يكن الأمر يتجاوز كونه جزءًا من ذلك الكرنفال، حيث واصلت الغواصة التمساح الغوص والصعود وسط دهشة وانبهار الحضور.
رغم أنها لم تكن غواصة بالمعنى الحقيقي للكلمة، فقد كان الهدف منها استعراضياً لا أكثر، إلا أنها كانت أول جسم في العالم يحوي بداخله بشرًا يغوص في المياه ويعاود الصعود إلى السطح مرة أخرى، وهو ما يعتبر بالفعل حدثاً فذاً كان من الممكن أن تكون له أهمية كبيرة جداً لو تلته تجارب أخرى للوصول إلى الغواصة المنشودة. من المعروف أن إبراهيم أفندي والسلطان أحمد الثالث كانا مهتمين بتحديث الدولة، لكن انشغال الدولة العثمانية بالحرب الروسية، وما تلاه من حرب مع إمبراطورية النمسا والتي انتهت بهزيمة السلطان الذي خلع في وقت لاحق من العرش، ربما كانت السبب في وأد فكرة الغواصة في مهدها. إلا أن هذا الأمر لن يكون نهاية المطاف، وسيكون على العثمانيين الانتظار إلى أواخر القرن التاسع عشر، ليشاهدوا أول غواصة حقيقية في تاريخ الدولة العثمانية وهي تبحر في مياه البوسفور.
نقلاً عن ترك برس